:كلمة الرسول لها في القرآن معان كثيرة هي
الرسول بمعنى النبي: ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ - الأحزاب 40.
الرسول بمعنى جبريل: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ. وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ.وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ - التكوير 23:19
الرسول بمعنى الملائكة: ملائكة تسجيل الأعمال ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ - الزخرف 80. ملائكة الموت: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾ ـ الأعراف 37
الرسول بمعنى ذلك الذي يحمل رسالة من شخص إلى شخص آخر، كقول يوسف لرسول الملك "ارجع إلى ربك" في قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ... ﴾ - يوسف 50
الرسول بمعنى القرآن أو الرسالة، وبهذا المعنى تتداخل معنى الرسالة مع النبي الذي ينطلق بالوحي وينطبق ذلك على كل الأوامر التي تحث على طاعة الله ورسوله... فكلها تدل على طاعة كلام الله الذي أنزله الله على رسوله وكان الرسول أول من نطق به وأول من ينفذه و يطيعه
والرسول بمعنى القرآن يعنى أن رسول الله قائم بيننا حتى الآن وهو كتاب الله الذي حفظه الله إلى يوم القيامة، نفهم هذا من قوله تعالى (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ - آل عمران 101- أي أنه طالما يتلى كتاب الله فالرسول قائم بيننا ومن يعتصم بالله وكتابه فقد هداه الله إلى الصراط المستقيم. ينطبق ذلك على كل زمان ومكان طالما ظل القرآن محفوظا ، وسيظل محفوظا وحجة على الخلق إلى قيام الساعة.
و كلمة الرسول في بعض الآيات القرآنية تعنى القرآن بوضوح شديد كقوله تعالى ﴿ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ - النساء 100.
فالآية تقرر حكماً عاماً مستمراً إلى قيام الساعة بعد وفاة محمد عليه السلام ، فالهجرة في سبيل الله وفى سبيل رسوله- أي القرآن - قائمة ومستمرة بعد وفاة النبي محمد وبقاء القرآن أو الرسالة
وأحياناً تعنى كلمة "الرسول" القرآن فقط وبالتحديد دون معنى آخر كقوله تعالى ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ - الفتح 9.
فكلمة "ورسوله" هنا تدل على كلام الله فقط ولا تدل مطلقاً على معنى الرسول محمد. والدليل أن الضمير فئ كلمة "ورسوله" جاء مفرداً فقال تعالى ﴿وتعزروه وتقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا﴾ والضمير المفرد يعنى أن الله ورسوله أو كلامه ليسا اثنين وإنما واحد فلم يقل "وتعزروهما وتوقروهما وتسبحوهما بكرة وأصيلا". والتسبيح لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى وحده، ولا فارق بين الله وتعالى وكلامه، فالله تعالى أحد في ذاته وفى صفاته (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.
ويقول تعالى ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ - التوبة 62. ولو كان الرسول في الآية يعنى شخص النبي محمد لقال تعالى "أحق أن يرضوهما" ولكن الرسول هنا يعنى فقط كلام الله لذا جاء التعبير بالمفرد الذي يدل على الله تعالى وكلامه.
إذن فالنبي هو شخص محمد في حياته الخاصة والعامة، أما الرسول فهو النبي حين ينطق القرآن وحين يبلغ الوحي ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ...﴾ - المائدة 67. وفى الوقت الذي يأمر الله فيه النبي بإتباع الوحي فإن الله تعالى يأمرننا جميعاً وفينا النبي- بطاعة الله والرسول، أي الرسالة. ولم يأت مطلقاً "ما على النبي إلا البلاغ"، وإنما جاء ﴿ مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ - المائدة 99 - فالبلاغ مرتبط بالرسالة كما أن معنى "النبي" مرتبط ببشرية الرسول وظروفه وعصره وعلاقاته.
د. أحمد صبحي منصور