Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Présentation

  • : الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ
  • : Tunisie, Monde Arabe, Photographie, Art, Islam,Philosopie
  • Contact

Profil

  • الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ
  • Tant que mes jambes me permettent de fuir, tant que mes bras me permettent de combattre, nulle crainte : je puis agir. Mais lorsque mes mains et mes jambes se trouvent emprisonnées dans les fers des préjugés, alors je frissonne, je pleure...
  • Tant que mes jambes me permettent de fuir, tant que mes bras me permettent de combattre, nulle crainte : je puis agir. Mais lorsque mes mains et mes jambes se trouvent emprisonnées dans les fers des préjugés, alors je frissonne, je pleure...

Recherche

Archives

Catégories

19 avril 2016 2 19 /04 /avril /2016 13:40
لماذا تكفل الله وحده بمعاقبة المستهزئين، ولم يأمر المسلمين بمحاكمتهم ومعاقبهم؟

الاستهزاء المقصود في هذه المقالة هو الاستهزاء بالدين، فهو يشمل كلَّ قولٍ أو فعلٍ، يدل على الطعن أو التنقص أو الاستخفاف، من الله تعالى، أو آياته، أو رسله.

لا شك في كفر المستهزئين بدين الله تعالى، فهو يقين، ومصيرهم يوم القيامة هو الجحيم، ان لم يتوبوا، فالله تعالى حسم أمرهم في عدة آيات من التنزيل الحكيم، ومن يجادل فيه فهو حتما من الظالمين. الا أن هذا المقال يبحث عن الحكم الدنيوي في المستهزئين بالدين، هل أمر الله تعالى بمعاقبتهم أم فوضه اليه سبحانه ليوم الحساب؟

 

حكم المستهزئين في واقع الأمة الإسلامية العَصريّة

شُهر في الأُمّة الإسلامية العَصريّة، أن الحكم الدنيوي على المستهزئ بدين الله ورسله، هو القتل حتى ولو تاب، مع الاختلاف في حكم ساب الله تعالى، وحكم ساب رسول الله، عليه الصلاة والسلام. فأدعوا أن ساب الله تعالى لا يقتل إن تاب، أما ساب رسوله، يقتل ولو تاب.

درست وبحثت عن مصدر هذا الحكم، فلم أجد، لا في كتاب الله تعالى ولا فيما تواتر عن رسوله الكريم، أثر لهذا الحكم!

كل ما وجدته في هذا الأمر، هو أقوال العباد الذين ابتدعوا هذا الحكم، وكل أدلتهم تعتمد على استنباط هذا الحكم من كتب التاريخ والسير والمغازي، وكما هو معلوم فهذه الكتب محشوة بأحاديث موضوعة، وقصص مخلوقة، لا قيمة لها في دين الله. ولا أدري لماذا ترك بعض العلماء المشهورين الاعتماد على كتاب الله وما تواتر من سنة رسوله، ولجئوا لكتب التراث لاستنباط حكم يخالف ما جاء واضح وبيّن في كتاب الله تعالى؟

  
حكم المستهزئين بالدين في الاسلام

حكم المستهزئين بالله تعالى وآياته ورسله، جاء صريحا، بيّن، وواضح، في كتاب الله العزيز الحكيم، يقول تعالى:

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} (سورة النساء 140 - 141)

 

فواجب المسلم إذا سمع استهزاء بدينه: ... إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا، أن يطبق ما أمر الله تعالى به: ... فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.

لم يقل أوقفوهم عن استهزائيهم، أو أضربوهم، أو اقتلوهم، ... بل أمر بعدم الاستماع لاستهزائيهم، ومهاجرة مجلسهم حتى يخوضوا في حديث غيره.

الغريب والعجيب، أن الله سبحانه وتعالى لم يكلف أحدا بمعاقبتهم أو ردعهم، وفوض معاقبتهم اليه وحده سبحانه، فقال في نفس الآية من سورة النساء: ... إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا، وبعدها: ... فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ....

فالله وحده سبحانه وتعالى، هو الذي يحكم بينهم ... يوم القيامة، وليس في الدنيا، فالله تعالى هو الذي يحكم في هذه القضية وحده، ولم يأمر أحد من خلقه بمحاكمتهم ولا بمعاقبتهم، لأنه وحده سبحانه تكفل بمعاقبتهم يوم القيامة (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

هذا ما أمر الله تعالى، وهو واضح بيِّن، ولا خلاف فيه في كل الكتاب المجيد، بل يُدعّم الله تعالى هذا المنهج، ويؤكد هذا الحكم، في عدة آياته، فيحرم على المسلمين أن يسبوا آلهة المشركين، فقال جل وعلا:

{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (سورة الأَنعام 108).

وحذّر رسوله الكريم، إذا رأى الذين يخوضون في آيات الله، أي يتكلمون فيها بالتكذيب والباطل والاستهزاء، بأن لا يهتم بهم وأن يدعهم ولا يقعد معهم حتى يخوضوا في حديث مغاير له:

{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة الأَنعام 68)

كذلك، ممّا يؤيد هذه الحقيقة الربانية والقرآنية، قوله تعالى لرسوله الكريم:

 إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ - سورة الحجر 95

 وهذا تحذير له من أن يهتم بالمستهزئين ويكترث بأقوالهم وبغمزهم أو نحو ذلك من أساليب الاستهزاء أو السخرية، فهو سبحانه وتعالى يتكفل بهم، فيحفظه من أن ينال شر أو ضر، في شخصه الكريم، أو أتباعه أو دعوته.

كذلك حذر الله سبحانه أمة الإسلام، بأنهم سيسمعون أَذًى كثيرا من أهل الكتاب والمشركين، وانه ابتلاء، مثله مثل ابتلاء الأموال والأنفس، وان ذلك من سنة الله تعالى في خلقه، ليختبر صبر المتقين، لأن في المصائب اختبارا لمقدار الثبات على قدرة الله تعالى، وصدق وعده، والاطمئنان لحكمه، ولذاك قال بأنه من عزم الأمور:

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (سورة آل عمران 186)

والأذى، هو الألم الخفيف الذي لا يبلغ حد الضر، والاستهزاء في الأخير ما هو الا قول أو فعل، يهدف الى الاستهانة، والتحقير، والتنبيه على العيوب والنّقائض على وجه يضحك منه، قد يؤذي من يسمعه، لكنه لا يضره، ولهذا قال الله تعالى:

{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} (سورة آل عمران 111)

فواضح وبيّن، أن الله تعالى لم يأمر بمعاقبة المستهزئين وأخَّرَ جزائهم إلى يوم القيامة، ولو جاء في كتاب الله أو سنة رسوله أمر بمعاقبة المستهزئين دنيويا، لحصل تناقض واضطراب، فكيف يأمر سبحانه رسوله والمسلمين، بأن يعرضوا عن المستهزئين ولا يهتموا بأقوالهم وأفعالهم، وحرم القعود معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، ثم يأمر بمعاقبتهم دنيويا؟

 

لماذا تكفل الله وحده بمعاقبة المستهزئين، ولم يأمر المسلمين بمحاكمتهم ومعاقبهم؟

الجواب عن هذا السؤال موجود في هذه الآيات:

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} (سورة النساء 140 - 141)

جريمة الاستهزاء بالدين لا يمكن محاكمتها في الدنيا، لأن حكم البشر، مهم ما أُتي من عقل وحكمة وقوة، يعجز عن ان يحكم في قضية تخص الله تعالى وآياته ورسله؟

من المخلوق الذي يستطيع أن يتصدر محكمة ليفصل قضية، الجاني عليه هو الخالق سبحانه وتعالى، أو آياته، أو رسوله الكريم؟

بطبيعة الحال هذا مستحيل، لهذا قال الله تعالى: (... فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...)، ومن يدعي أن يحكم دنياويا في هذه القضية، فهو إمّا مجنون، مختل العقل، وهذا رُفع عنه القلم، وإمّا كافر مشرك، لا يُقدر الله تعالى حقّ قَدْرِهِ، فيدعي أنه يمثل الله تعالى في الدنيا ليحكم بين المستهزئين والله تعالى! وإمّا منافق يتربص بالمؤمنين دوائر السوء، فينتهز عبث المستهزئين لبث الفتنة وإثارة العنف والهيجان داخل المجتمع، فيُحرّض المسلمين للانتقام من المستهزئين، ويُحّرض الكافرين للقصاص من المسلمين: (...الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...)، لهذا حسم الله تعالى، بحكمته، الفتنة من أصلها، وقطع حجة الكافرين من النيل من المؤمنين، فأمر عباده المسلمين بعدم الاهتمام بأقوال وأفعال المستهزئين بدينه، وان يهجروا مجالسهم حين يسمعون الاستهزاء: (... إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ ...)، لم يقل أوقفوهم عن مهاجمة دينكم، ولم يقل اقطعوا ألسنتهم أو احبسوهم أو اقتلوهم ولا حتى قال قاطعوهم، بل قال لا تقعدوا معهم في الجلسة التي فيها استهزاء بالدين، وبالتالي يجوز الجلوس معهم في جلسات أخرى لا يستهزؤون فيها بالدين: (... حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)، وهذا دليل أن الله تعالى لم يأمر بمعاداتهم، لأنه أجاز مجالستهم إن كفوا عن استهزائهم، وبالتالي لا مشكلة في دين الله تعالى في وجود أراء و أفكار ضد الإسلام، لكنه حرّم على المسلمين مجالسة أصحاب هذا الفكر عندما يستهزأ بدينه الله، لأنه لو جلسوا معهم فسيتأثرون سلبيا في كل الأحوال، فإمّا يوافقون قول المستهزئين ويضحكون معهم، فيصبحون مثلهمِ، وهكذا يخسرون دنياهم وآخرتهم: (... إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)، وإمّا لا يوافقون، فينددون ويهددون ويغضبون لدينهم، فتكون الفتنة التي يتربصها النافقون، فيستغلون ردة فعل المسلمين لتحريض الكافرين عليهم، فتقع المضرة على المؤمنين الأبرياء: (... فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)، لأن المسلمين اذا خالفوا أمر الله، فحاكموا المستهزئين ولم يفوضوا حكمهم لرب العالمين، فانه يرجع عليهم بالوبال والهلاك، فيجعل سبحانه، للكافرين على المؤمنين سبيلا. وإن أطاع المسلمين الله، فهجروا المستهزئين وفوضوا حكمهم لله تعالى، كما أمر، فالله ناصرهم مهما كانت قوة أعدائهم، ولهذا طمأن الله سبحانه، المؤمنين ووعدهم، ان استقاموا، بأن لا ينال الكافرون منهم منالا، فلا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا.    

إذَاً، الحكمة الإلهية من عدم الاكتراث بأقوال المستهزئين بدين الله، هي: لكيلا يجعل الله تعالى، سبيل للكافرين لإيذاء المؤمنين. فلو قام أحد من المسلمين بمحاكمة ومعاقبة المستهزئين، فخالف أمر الله تعالى، فان وعد الله تعالى بأن لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيل، سينقلب أيضا، فيجعل للكافرين سبيل لإيذاء المؤمنين.

لهذا فوض الله تعالى محاكمة وعقاب المستهزئين إليه تعالى وحده يوم القيامة (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، ولم يكلف أحد من خلقه أن يحاكم المستهزئين به، سبحانه عما يقولون، أو آياته، أو رسله،

المؤسف هو أن مسلمين العصر، جهلوا هذه حكمة البليغة، أو بالأحرى، تجاهلوها تمنيا وتكبرا على العالمين بأنهم مسلمين، رغم أنها واضحة جلية في آيات الله: {... إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... (140) .... فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} (سورة النساء 140 - 141)

الاستهزاء بدين الله أو رسوله قد يؤذي المسلمين معنويا، ولكن هذا لا يضرهم جسديا ولا ماديا، فاذا ضعف المسلمين، لعدم قدرتهم في السيطرة على غضبهم أو لرغبتهم في معاقبة المستهزئين تمنيا على الله تعالى ورسوله الكريم، فيخالفون أمر الله تعالى بهجر المستهزئين وعدم الاكتراث بأقوالهم، فيقومون بفعل عكس ما أمر به، فيتصيـّدون كل مستهزئ بدين الله، وينشرون ويُروجون أقوالهم، ثم ينددون ويهددون، ويحرضون المسلمين  للانتقام من المستهزئين، فيدفع ذلك بالمتحمسين والمتعصبين منهم، الى قتل المستهزئين، فحينها يتحول كل المسلمين، مباشرة من مظلومين إلى معتدين ظالمين، لأن أي ردة فعل للانتقام من المستهزئين، ستكون دائما أعنف وأظلم من استهزائهم، فيكسب المستهزئين تعاطف الناس حولهم، ويتخذون هذا الظلم حجة لتشويه الاسلام، والإضرار بالمسلمين، قصاصا من الاعتداء الظالم الذي وقع عليهم.

وأحسن مثال على حكمة الله تعالى في هذا الموضوع، ما حدث في عملية الصحيفة الهزلية " شارلي أبدو " الفرنسية سنة 2015، حين قام شابين فرنسيين، ينتمون الى منظمة إسلامية متطرفة، بقتل 12 شخصا من بينهم 10 من رسام وعمال الصحيفة، وشرطيين ... بحجة الانتقام للرسول! ... وفرح العالم العربي الإسلامي بهذه العملية وخرجوا في الشوارع يكبرون ويهللون مبتهجين بالثأر لرسول الله، عليه الصلاة والسلام ... وثم بعد!؟

 

ماهي نتائج الانتقام من المستهزئين؟

كل النتائج كانت سلبية، رجعت بالسخط والوبال على الإسلام والمسلمين:

- خسرت صحيفة " شارلي أبدو " بعض رساميها، ولكناها ربحت عدة رسامين عالمين، التحقوا بالصحيفة للعمل تطوعا بدون أجر. كذلك، قبل الاعتداء الارهابي على " شارلي أبدو "، كانت هذه الصحيفة على أبواب افلاس، وبدأ مسؤولها يفكر بغلقها نهائيا، لكن بعد العملية الإرهابية، تحولت هذه المجلة الى أغنى وأشهر مجلة في العالم. كانت الصحيفة تبيع كل أسبوع أقل من 20 ألف نسخة قبل العملية الإرهابية، وبعدها، بلغ عدد بيع المجلة الى أكثر من 7 مليون نسخة! فأصبحت أغنى صحيفة إعلامية في العالم. وتأسست في كل البلدان الأوربية صحف هزلية بعدما أن كانت " شارلي أبدو "، الوحيدة في العالم في هذا الاختصاص، وجميعهم اليوم ينشرون الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لجميع الأديان ويستهزئون خاصة بالإسلام وبالمسلمين.

- كان الحزب اليمني المتطرف، الذي يعادي أشدّ عداء، الإسلام والمسلمين، في المرتبة الثالثة بين جميع الأحزاب السياسية الفرنسية قيل العملية الإرهابية، وبعدها تحول الى المرتبة الأولى وحاز بأغلب الانتخابات البلدية الأخيرة في فرنسا، مع العلم أن من مشاريع وعهود برنامج الحزب اليمني المتطرف الفرنسي، للإنتخابات الرئاسية سنة 2017، هو طرد جميع المسلمين من فرنسا وتحويل مساجدهم لجمعيات خيرية لخدمة المحتاجين الفرنسين الأصل.

- إثر العملية الإرهابية على الصحيفة، انقلب الرأي العام الفرنسي من مساند ومؤيد لقضايا العرب المسلمين، الى معارض ومساند لأعدائهم. هذا في فرنسا، البلد الأوربي الأكثر تفهم للإسلام والمسلمين بحكم تاريخهم المشترك، أما في باقي البلدان الأوربية والأمريكية، فقد وحدت هذه العملية الإرهابية جميع حكوماتهم ومجتمعاتهم على كره الإسلام ومعاداة المسلمين، بدون أي استثناء.

- فرنسا تحتوي على أكبر جالية مسلمة في أوروبا، إذ يبلغ تعدادها نحو خمسة ملايين نسمة (حوالي 7,5 بالمئة من مجموع السكان). بعد العملية الإرهابية، أصبح كل مسلم يعيش في فرنسا محل شُبهة، ينظر اليه بعين الريبة، فتحولت حياة المسلمين الفرنسين، وخاصة الشباب منهم الى جحيم، فتفاقمت الاعتداءات العنصرية على المسلمين، خاصة على النساء المحجبات منهم، وتزايدت الاعتداءات على المساجد ومقابر المسلمين، بالحرق والتخريب والتشويه ...

- بعد الاعتداء على الصحيفة الفرنسية، احتدّت موجة السخط الاجتماعي على الجالية المسلمة في فرنسا بشكل كبير، الى درجة أن دفع الجيل الصاعد من شباب المسلمين الفرنسين الى اليأس من مستقبل حياتهم في فرنسا، فلجأوا الى الأقطاب: فإما التبرؤ من الإسلام والمسلمين واحتضان الالحاد، واما التطرف والتعصب الديني واحتضان داعش والإرهاب.  

- كانت هناك عدة نشاطات دعوية وثقافية تقوم بها الجالية المسلمة في فرنسا، ولكن منذ عملية " شارلي أبدو "، تعطلت كل هذه النشطات دفعة واحدة، ولم يعد أحد من المسلمين يجرأ أن يتحدث عن الإسلام في الأماكن العامة والملتقيات الاجتماعية.

... أتوقف هنا عن ذكر السلبيات، فليس موضوع المقال ذكر السلبيات كلها، فهي كثيرة لا تعد ولا تحصى، والله تعالى وحده يعلم عددها ومداها وأثرها ... وما ذُكر فيه الكفاية لتدبر قوله تعالى: ... وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، من خلال مثل واقعي حديث العهد، يعيشه المسلمون اليوم، ويشاهدون بأعينهم أثر معصية أوامر الله تعالى، وكيف انقلب حكم الله تعالى عليهم، فجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا.

هذه حكمة الله تعالى من وراء أمره بالإعراض عن المستهزئين وعدم الاِكْتِراث بأقوالهم وأفعالهم، والأهم، عدم التدخل لردعهم أو معاقبتهم لأن أي ردة فعل ترجع بالوبال على الإسلام والمسلمين، فيجعل الله سبيل للكافرين على المؤمنين.

Partager cet article
Repost0

commentaires