القرآن معجز، والتحدي قائم الى هذا اليوم أن يأتي أحد بمثل هذا القرآن أو حتى بعشر سور مثله، ولن تجد أحد يستطيع تغير كلام الله ولا الإتيان بما ينقضه ويبطله أو يعارضه.
كيف يمكن لأعداء الله وأعداء الإسلام من ضرب القرآن، هذا الحصن الحصين، وتبديل ما لا يعجب الكفار والمنافقين؟
لا يمكن تبديل ولو كلمة واحدة من القرآن لأنه محفوظ فى الصدور وتواتر عن النبي تلاوة القرآن وكيفية العبادات جيل بعد جيل وعن آلاف الملاين، فحتى فى حالة الخطأ فى النطق به، لا بد أن تجد من يعترض عليك ويصحح زلة اللسان فى الحين. تبديل كلام الله مستحيل ولكن تحريف مفهوم كلامه وتزيف مقاصده يبقى محتمل، يكفي أن أعطى للمفهوم المراد قداسة، فيصدّق الافتراء على الله. وبما أنه ليس هناك قداسة مع القرآن إلا قداسة شخص الرسول، فلماذا لا يصنع حديث ويسند للرسول، فمن يقدر أن يكذّب الحبيب المحبوب؟
ولكي يعطى مصداقية للنص لا بد أن ينسب لأحد الصحابة ثم لأحد التابعين المتوفون، فلا أحد منهم يقدر انكار ما نسب إليهم ... وهكذا اخترعوا الأعراب علم الإسناد لإيهام الناس بصحة الرواية. وانطلت حيلة الإسناد على أمة الإسلام، بفضل تقديس التابعين للسلف. وأصبح حديث المغرضين للإسلام جزء من الدين، والويل لمن له عقل وشككك فى نسبت الحديث للنبي عليه السلام، فسيف التكفير يهدد رقبته، حتى ولو كان الحديث يخالف القرآن والعقل ويسيء للدين.
صدّق عامة المسلمون كتب الأحاديث المنسوبة للنبي التى دونت بعد وفاته ووفاة الخلفاء الأربعة الاولين، و نجح المغرضون فى تمهيد السبل المتفرقة بواسطة الروايات و الاسانيد المختلفة وهكذا خرجوا من الصراط المستقيم ولم يتعظوا من خبرة الرسول المكتوبة فى القرآن الكريم: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ - الانعام 116، و(يخرصون) أي يأخذون الاعتقاد من الدلائل الوهمية ويكذبون فيما ينسُبونه إلى الله، وهذا ما يؤكده حتى علماء الإسناد الصادقين أن الأحاديث كلها ظنية. و لهذا فالرسول عيه الصلاة و السلام كان يتبع إلا القرآن وحده و لم يتبع كلام البشر وإلا لأضلوه عن الطريق: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ - الاعراف 3:2، ولكن أكثر المسلمين أتبعوا الظن والأوهام والكذب على النبي، فضلوا الطريق المستقيم، فتفرقوا واختلفوا ثم تقاتلوا وتناحروا بسبب اتباع غير القرآن وعدم التأسي بالأسوة الحسنة لخاتم النبيين
كتاب البخاري مثلا دُوّن بعد قرنان ونصف قرن من الزمان من وفاة النبي، اي أن بين الشخص الذي سمع حديث الرسول وبين البخاري الذي كتب الحديث عدة أجيال، فكيف يعقل أن حديث سمعه شخص فى وقت معين، يصل الى شخص آخر بعد ستة أو خمسة أجيال شفهيًّا بدون نقص او زيادة أو نسيان أو خطأ؟
فالبخاري حين يكتب الحديث الذي سمعه من الراوي الأخير من سلسلة الرواة، هو لم يسمع الحديث من الراوي الأول الذي سمع الحديث مباشرة من عند النبي، وإنما هو يُدوّن ما يتذكر الراوي الأخير من الحديث الذي سمعه من الجيل الذي قبله، وهذا الأخير هو أيضا سمعه من الجيل الذي قبله، ... وهكذا حتى يصل الى الراوي الأول، فكيف يمكن للبخاري أن يتيقن أن الحديث الذي كتبه هو يقينا حديث قاله النبي عليه الصلاة والسلام؟
يستحيل أن يثبت البخاري أن الحديث الذي دونه فى كتابه هو حديث قاله النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو لا يستطيع أن يثبت أن الرواة من بعد الذي سمع منه الحديث رووا ذالك الحديث، وكيف يمكن له التحقق من ذالك والأشخاص الذي يذكرهم فى سنده قد توفوا ولن يقدروا أن يشهدوا بصحة كلام الذي يروي عنهم؟
احتمال الخطأ والنسيان وارد فى النقل الكلام شفهيا بين أجيال، وهذا يحدث فى خبر واحد وفى جيل واحد، بل فى اليوم واحد، فما بالك بأجيال عديدة وبمئات الالوف من الأحاديث التى أسندوها للنبي بعد موته، ويأتي البخاري بعد أكثر من قرنين، فيقوم بتدوين تلك الأحاديث ويسمى كتابه "صحيح البخاري" وهو يعلم علم اليقين أن معظمها لا يمكن الجزم بصحتها وبانتسابها للنبي عليه الصلاة والسلام؟
توفى رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد اكتمال القرآن، وبوفاته أنقطع الوحي بالتمام. و يذكر لنا التاريخ أن رسول لله عليه الصلاة والسلام منع تدوين أقواله او آراءه وكذلك فعل من بعده الخلفاء الأربعة الأولين، فكان المرجع الديني الوحيد هو كتاب الله و كان شغلهم الشاغل هو القرآن فقط حتى بداية العصر الأموي، و بظهور الفتن و الاضطرابات المذهبية بدأت صناعة الأحاديث و الكذب على رسول الله لنصرة المذاهب والفرق، ووصل أوجها فى العصر العباسي حتى أن البُخَارِيّ قال: "أحفظ مئة ألف حَدِيث صَحِيح، ومئتي ألف حَدِيث غَيْر صَحِيح" - مقدمة فتح الباري ص 488 - و فى الأخير لم يأخذ فى كتابه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه سلم وسننه وأيامه" الّا 7563 حديث، أي انه يعترف أن فى عصره هناك 192437 حديث موضوع. ولإخراج ما صححه من أحاديث سخّر كل جهده فى الإسناد ولم يعتني بالمتن ولهذا نجد أحاديث تتعارض مع القرآن الكريم وأحاديث تسيء الى الله تعالى والى رسوله وأحاديث لا يقبلها العقل ولا المنطق القرآني
و بفضل الإسناد صدق المسلمون أن كتاب البخاري هو وحي من عند الله وهو أصح كتاب بعد كتاب القرآن، وهكذا بعد فترة التوحيد والإخلاص للقرآن وحده، جاءت فترة الشرك بكتاب الله تعالى، فتلقت الأمة كتب الأحاديث بالقبول كما يقول اهل الحديث، وعكف الناس عليها حفظًا ودراسة وشرحًا وتلخيصًا، واهملوا القرآن و تدبيره، فضلوا الطريق، فتفرقوا واختلفوا شيعا ومذاهب، فأذاقهم الله تعالى بعضهم بأس بعض، و تاريخنا يشهد بهول الحروب و المذابح بين طوائف المسلمين و مازلنا الى يومنا هذا نتقاتل بسبب كتب الأحاديث و لن يكف هذا العذاب حتى نرجع الى الحق والى الصراط المستقيم والتمسك بالقرآن وحده وترك تقديس كتب الأحاديث واعتبارها كتب تاريخ وتراث، لا دخل لها فى دين الله.