Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Présentation

  • : الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ
  • : Tunisie, Monde Arabe, Photographie, Art, Islam,Philosopie
  • Contact

Profil

  • الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ
  • Tant que mes jambes me permettent de fuir, tant que mes bras me permettent de combattre, nulle crainte : je puis agir. Mais lorsque mes mains et mes jambes se trouvent emprisonnées dans les fers des préjugés, alors je frissonne, je pleure...
  • Tant que mes jambes me permettent de fuir, tant que mes bras me permettent de combattre, nulle crainte : je puis agir. Mais lorsque mes mains et mes jambes se trouvent emprisonnées dans les fers des préjugés, alors je frissonne, je pleure...

Recherche

Archives

Catégories

14 avril 2017 5 14 /04 /avril /2017 17:59

الفرق بين مفهوم النبي والرسول

 

هناك فرق بين مفهوم النبي والرسول فى الخطاب القرآني، وعدم إدراك هذا الفرق يؤدي الى فهم خاطئ لمقاصد الله عز وجل والى الشرك بكتابه.

الخطاب القرآني للنبي فى القرآن تعني دائما شخص محمد بن عبد الله، أي أن الخطاب موجه لشخص النبي البشرى فيما يتعلق بحياته الخاصة والعامة، لهذا لا تجد فى القرآن أمر من الله تعالى بطاعة النبي، لأنه خطاب خاص بشخص النبي محمد بن عبد الله.

كلمة "النبي" فى القرآن لها معنى محدد هو ذلك الرجل الذي اصطفاه الله من بين البشر ليُحمله تبليغ رسالة الله للعالمين.

يؤكد الله تعالى ويكرر ثلاثة مرات فى كتابه الحق: "مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغ ..." ولم يأتي أبدا "مَا عَلَى النبي إِلَّا الْبَلَاغ" وذلك لإقرار أن الطاعة ليست لشخص النبي وإنما للرسول أي للرسالة التي حّملها إياه لتبليغ الناس، أي لكلام الله تعالى الذي نزل على النبي والذي يكون فيه شخص النبي أول من يطيع الرسالة.

ولكن حين ينطق النبي بالقرآن فهو الرسول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - الأحزاب 45، فهو شاهدا عليهم يوم القيامة ومبشرا لمن أطاع الله بالجنة ونذيرا من النار لمن عصى.

كذألك فى قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا - الفتح - 9:8، أي لتؤمن أنت يا محمد والذين أرسلت إليهم شاهدا ومبشرا ونذيرا، والمقصود الإيمان بالله، وأقحم "ورسوله" لأن الخطاب شامل للأمة وهم مأمورون بالإيمان برسول الله ومن بينهم النبي محمد، فهو مأمور بأن يؤمن بأنه رسول الله. لهذا حين يكون الخطاب باسم الرسول فهو خطاب دائما موجه الى كافة الناس ومن بينهم النبي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ... - النساء ،64 وإبراهيم 4. فالنبي مأمور بطاعة الرسول أي لكلام الله تعالى الذي نزل على النبي: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ... - النور 54

أمر الله تعالى بطاعة الرسول أي بطاعة الرسالة التي حملها اياه، ولم يأمر أبدا بطاعة النبي أي شخص محمد بن عبد الله الذي اُمر بتبليغ رسالة الله.

كلمة الرسول في القرآن لها معان كثيرة منها النبي، جبريل، الملائكة، الشخص الذي يحمل رسالة، الرسالة، القرآن، وذلك حسب سياق الآية. مثلا الرسول بمعنى القرآن أو كلام الله واضحة فى قول الله تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا - الفتح 9. الضمائر الغيبة الثلاثة عائدة إلى اسم الجلالة لأن إفراد الضمائر مع كون المذكور قبلها اسمين (اللَّهِ وَرَسُولِهِ) دليل على أن المراد واحد وليسا اثنين (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ولم يقل " وَتُعَزِّرُوهُما وَتُوَقِّرُوهُما وَتُسَبِّحُوهُما بُكْرَةً وَأَصِيلاً "، والتسبيح لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى وحده، ولا فارق بين الله تعالى وكلامه، فالله تعالى أحد في ذاته وفى صفاته: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - الإخلاص 1.

كذألك فى قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ - التوبة 62، الرسول في هذه الآية لا يعنى شخص النبي محمد لأن ضمير الغيبة (أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) جاء مفرد ولم يأتي مثنى (أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُما)، فهو عائد الى (اللَّهُ وَرَسُولُهُ) أي إلى الله تعالى وكلامه ولا فرق بين الله تعالى وكلامه فهو واحد أحد. فيكون معنى الآية: القرآن أحق أن يرضوه لأنه كلام الله تعالى وفيه أمره، ونهيه، وطاعته طاعة الله ورضاه.

إذن فالنبي فى القرآن فهو شخص محمد في حياته الخاصة والعامة، ومحمد عليه السلام في حياته خارج الوحي كان رجل ينتمي الى مجتمع له مشاكل شخصية وسياسية مثل أي شخص يعيش فى مجتمع خاص وفى عصر محدد، وأقواله وأفعاله خارج الوحي القرآني كانت تعكس ذلك كما ذكر لنا القرآن فى بعض أقواله وأفعاله بصفة النبي البشري الذى يخطأ ويصيب، فامتدحه في بعضها وعاتبه في بعضها الآخر. إذا فأقوال وأحاديث النبي مرتبطة بظروفها الزمنية والمكانية التي قيلت فيها وتبقى فى الأخير إلا العبرة والعظة من تاريخ مضى وانتهى.

أما الرسول فهو النبي حين ينطق بالقرآن وحين يبلغ الوحى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - المائدة 67، فالرسول مهمته تبليغ رسالة الله بدون تغير ولا تبديل: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ - يونس 16:15. اتهم الكفار بأن الرسول يأتي بالقرآن من عند نفسه، فأمره الله تعالى أن يقول: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. أقوال الرسول وأحاديثه، اي وحي الله، هي في داخل القرآن ولا يجوز للرسول أن يقول شيئاً عن الدين لم يقله رب العزة وإلّا لتعرض لعقاب الله تعالى: تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ- الحاقة 47:43. والدليل أن قول الرسول هو وحي من الله تعالى هو تكرار كلمة "قل" في القرآن، كلمة "قل" وردت في القرآن 332 مرة، وهي تعنى أن الله تعالى هو الذي أمر رسوله أن يقولها للناس ما بلغه أن يقول.

 

الفرق بين كلام النبي وكلام الرسول

كما أن هناك فرق بين مفهوم النبي والرسول، كذلك هناك فرق بين كلام النبي وكلام الرسول، فليس كل ما يتلفظ به النبي هو من الوحي. النبي محمد بن عبد الله كان يأكل الطعام ويمشي فى الأسواق وكانت له زوجات وأصحاب وأعداء ... فهل كل ما تكلم به النبي فى حياته هو وحي؟ هل كلامه مع التاجر فى السوق لشراء بعض الحاجات هو وحي؟ هل كلامه مع أحد زوجاته بشأن تحضير الطعام هو وحي؟ هل حواره مع أصحابه وحي؟ وهل جداله مع أعدائه وحي؟ ... بالطبع لا، وليس كل ما قاله النبي فى حياته وحي.

ذكر القرآن بعض كلام النبي وبيّن خطأه فى بعض الأحداث حتى ندرك أن النبي ليس معصوم وأن كل أقواله ليس وحي من عند الله تعالى. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، قال الله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا - الأحزاب 37

فى هذه الآية يذكر الله قول النبي: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ - فهو لفظ وخطاب النبي لابنه بالتبني زيد، ونفهم منه أنه جواب عن كلام صدر من زيد، يخبر فيه النبى أنه عزم على فراق زوجته، فأجابه النبي: "امسك عليك زوجك واتق الله"، اي لازم عشرتها واتق الله فى واجب حسن المعاشرة. وكلام النبي هنا فيه أمر ونصيحة لأبنه بالتبني، فهو كلام النبي البشر فى حوار خاص مع زبد، وواضح أنه ليس وحي من الله وليس هو من التشريع ولا يعتبر من الرسالة والدليل هو أن الله أخبرنا من خلال هذه القصة أن النبي أخفى شيء فى نفسه، وهو أنه يعلم لو طلق زيد زوجته فإنه سوف يتزوجها هو: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ... فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ... - ولا فائدة من كيفية علم النبي أنه سيتزوج طليقة زيد لأن الله تعالى لم يخبرنا بذألك ويبقى ذلك سر بينه وبين ربه. كذالك يخبرنا الله تعالى فى نفس الآية، أن النبي يخشى الناس: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ - والظاهر من سياق الآيات فى صورة الأحزاب أن خشية النبي للناس هي خشية احراج من زواجه من كانت زوجة لابنه بالتبني.

فهذه الآية، وهي على سبيل المثال وليس الحصر، دليل أن ليس كل كلام النبي وحي وأن كلام النبي هو كلام بشر وأن أمره ليس تشريع وأنه غير معصوم فى كلامه خارج الوحي، ولهذا نزل الوحي على النبي ونطق الرسول بالآية التي تخبر العالمين بأن النبي أخفى شيء فى نفسه خشية من الناس وأن الله تعالى أمر نبيه بأن يخشاه وحده ولا حرج عليه وعلى المؤمنين فى ما فرض الله تعالى. ولو كان للرسول الخيرة فى الوحي، لما كتم هذه الآية التي تسرد حدث خاص به وبابنه بالتبني، وليس في كتمها تعطيل شرع، ولكنه لما كان وحيا نطق به لأنه مجبرا على النطق به وليس له الخيار ولا إرادة في ذألك: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى - النجم 4:3 - وحشى رسول الله عليه السلام، أن يكتم أو يتقول أو يغير شيء من الوحي وهو المأمور بتبليغ كل ما أنزل إليه من وحي كما هو : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ - المائدة 67.

إذا، ليس كل أقوال النبي هي وحي من الله تعالى، ولكن حين ينطق النبي بالوحي المنزّل، فهو رسول الله وكل أقواله هي وحي من الله تعالى: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى - النجم 4:3 - أي أن الرسول لا ينطق بكلام من اختراعه أو اختياره لما تميل له نفسه، بل هو وحي يوحى، أي ان الرسول لا ينطق الّا بالقرآن لأن (إِنْ هُوَ) فى الآية تعود على القرآن، أي كلام الله وليس على أي كلام نطق به النبي، وهذا بشهادة الوحي نفسه، اذ سجل القرآن جواب عن سؤال للنبي فنزل الوحي: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... - الأنعام 19 - الله تعالى يأمر نبيه أن يقول: ... وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ ...، فنطق الرسول بالوحي وبلغ العالمين أن ما أحي إليه هو القرآن ولم يذكر شيء آخر معه، لا قول النبي ولا فعله ولا إقراره كما يعتقد المشركون بكتاب الله، ويصرون على ضلالهم على أن قول أو فعل أو إقرار النبي هو وحي من الله مثله مثل القرآن.

فكل ما نطق به الرسول فهو وحي من الله تعالى: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى - النجم 4:3 - ولم ينطق الرسول إلا بالقرآن: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ - التكوير 19 والحاقة 40 - وكل ما أوحي على الرسول بلغه عليه السلام بدون زيادة ولا نقصان: تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ - الحاقة 46:43 - ولم يترك النبي قبل وفاته إلّا كتاب القرآن، فهو كتاب الله الوحيد الأحد، وهو الدين وهو الرسالة وفيه الكفاية وفيه التفصيل وفيه البيان: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ - العنكبوت 51.

أما كتب الأحاديث والسيرة النبوية وإجماع الأمة ... وكل الكتب التي دُونت فى الدين، بعد وفاة النبي، فهي أقوال عباد لا تنتمي للوحي ولا يمكن اعتبارها من الدين لأنه شرك بكتاب الله.

الخلط بين أقوال النبي وأقوال الرسول يؤدي الى الضلال لأن الإيمان ليس بشخص محمد النبي وإنما الإيمان بما نزل على محمد الرسول أي الرسالة وهو الحق من الله العزيز الحكيم: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ - محمد 2، والله عز وجل أمر بإتباع الوحي: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ - الأعراف 3، ولم يأمر أبدا بإتباع كلام وأحاديث وآراء شخص محمد عليه السلام الذي هو مطالب أن يكون أول المسلمين وقدوة للمسلمين فى إتباع الوحي: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا - الأحزاب 2، وما أوحي للرسول هو كتاب واحد لا ثاني له: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ - الأنعام 155.

الرسول هو الذي ينطق بما أنزل الله وهو الذي يحكم بما أنزل الله. الرسول كان يحكم بالقرآن وحده لا شريك له، وهذا ما يقر به فى كتاب الله ويأمر به أمته: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ - الشورى 10 - هذا الكلام فى هذه الآية هو لمتكلم واحد، لأن ضمائر (ربي، وتوكلت، وأنيب) ضمائره، وتلك الضمائر لا تصلح أن تعود إلى الله تعالى فيكون القول قول الرسول عليه السلام. فمصدر الحكم للرسول هو ما أنزل الله وحده، لأن الرسول هو الذي ينطق بما أنزل الله وهو الذي يحكم بما أنزل الله. يؤكد الله عز وجل أن هو الحكم وحده: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً - الأنعام 114، والرسول عليه السلام هو الذي ينطق بكلام الله وحده وهو مبلغ الرسالة، ولهذا أمر الله تعالى المؤمنين بطاعته وطاعة الرسول: وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ - سورة المائدة 92، فالرسول فى حياته هو مبلغ كلام الله تعالى وهو الذي ينطق به وهو الذي يحكم به.

قرن الله تعالى طاعته بطاعة رسوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا - النساء 64، كذألك قوله تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا - النساء 80، وأيضا قوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ - آل عمران 132. الرسول في تبليغه إنما يبلغ عن الله، فأمره أمر الله، ونهيه نهي الله، وطاعته طاعة الله صاحب الوحي، أي القرآن الذى أنزله الله على النبي محمد طيل حياته كرسول، وبعد اكتمال الدين لم يترك النبي بعد وفاته إلا الرسالة أي القرآن. يقول الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ - آل عمران 144 - فمحمد ليس إلا بشرا رسولا ولا بقاء إلا لله وحده، فمن كان يطيع محمد لذاته فهو حتما سينقلب عل عقبيه بعد موته، وأما من كان يطيع ما أرسل به محمد فهو سيكون من الشاكرين لاكتمال الدين بإتمام القرآن: ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... - المائدة 3، فالحمد لله عز وجل على نعمة الإسلام والصلاة والسلام على مبلغ القرآن.

 

ليس للنبي أن يجتهد في التشريع

يؤكد الله سبحانه فى عدة آيات ان مهمة الرسول هي تبليغ رسالة الله تعالى للناس: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ - سبأ 28، كذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ - المائدة 67. وكان من الطبيعي المنطقي ان يتلقى الرسول بعض الأسئلة من للمؤمنين حول حكم الله فى ما لم يتنزل بعد من الوحي، أو توضيح عن أمر تحدث عنه القرآن، أو حتى تكرار أسئلة أتت الإجابة عنها فى القرآن. ورغم أن النبي، وهو الرسول، وهو الإمام القائد، وهو المرجع العام للمؤمنين، لم يبادر هو بالإجابة عل أسئلتهم، وكان ينتظر معهم نزول الوحي من الله. نفهم هذه الحقيقة من السياق القرآني حين يذكر الله تعالى فى عدة آيات، الأسئلة التي طرحت على النبي: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ ... قُلْ ...) و (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا ... قُلْ ...) و (يَسْتَفْتُونَكَ ... قُلِ ...)

لا شك أن النبي الذي اصطفاه الله تعالى ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، كان أعلم الناس وأحكمهم وأفقهم فى دين الله، قال تعالى: ... وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا - النساء 113. وكان عليه السلام هو الذي يتلو على المؤمنين الآيات ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - الجمعة 2. رغم هذا الفضل العظيم، لم يجتهد الرسول عليه السلام فى استنتاج الحكم ولم يستفتى الناس، فحتى عن الأسئلة المكررة والتي بين الله حكمها سابقا، لم يتلو عليهم الجواب وانتظر وحي الله تعالى. و أحسن دليل على ذألك، الأسئلة العديدة عن اليتيم، نزلت آيات عديدة عن رعاية اليتيم: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا - الإنسان 8، ... وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ - البقرة 177، و لكن سألوا الرسول عن اليتامى، و كان فى مقدرة النبى الإجابة من خلال ما بين الله تعالى فى الآيات التي نزلت، و لكنه أنتظر الإجابة الإلهية: ... وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ... - البقرة 220، و "أعادوا الكرّة و نزل الوحي بالإجابة: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا - النساء 127. لم يقل لهم الرسول "أنا يُفْتِيكُمْ " أو ذكرهم بالوحي الذي قد نزل فى اليتامى، ولكنه كعادته أنتظر جواب الله تعالى.

القرآن يثبت لنا أن الرسول عليه السلام لم يجتهد فى التشريع، وان مهمته كانت منحصرة فى تبليغ الرسالة كما هي دون زيادة أو نقصان: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ - المائدة 99. وحتى أنه كان أهل للاجتهاد بل أصلحهم، ولكنه عليه السلام لم يبادر بأي اجتهاد، ولا بأي استنباط ولا بأي قول فى الدين من عنده، واكتفي بمسؤولية تبليغ رسالة الله تعالى للعالمين.

امتناع الرسول من الاجتهاد أو الإفتاء أو أي قول فى دين من عنده و الاكتفاء بمهمة التبليغ هو أمر الله تعالى و حكمته، يقول عز وجل عن الوحي: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ، وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ، وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ - الحاقة 51:40، فهذه الآية دليل آخر على أن مهمة الرسول هو تبليغ وحي الله وحده، و أنه كان ممنوع عليه الاجتهاد في التشريع: ... تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ... و هي أيضا حجة لتفنيد قول الكافرين المدعين أن القرآن افك افتراه محمد و أصحابه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا - الفرقان، أو قول المشركين بكتاب الله المدعين أن هناك وحي آخر مع كتاب الله يوضح القرآن و يبين مجمله ويقيد مطلقه، و كأنّ حديث الله سبحانه و تعالى، حديث مبهم و غامض يستحق التفسير أو أن آيات الله و أوامره جاءت ناقصة تحتاج لمن يكملها ... تعالى الله عن افتراؤهم الظالم: بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ.

منع الاجتهاد على النبي واقتصار مهمته على تبليغه للرسالة هي حكمة إلهية لإسكات الكافرين والمشركين على زعمهم أن القرآن هو حديث محمد أو أن النبي كان يقول وحي أخر مع القرآن. كذلك من الطبيعي المنطقي أن الاجتهاد فى فترة نزول الوحي كان مستحيل، وكيف يمكن الاجتهاد، والقرآن ولم يكتمل، والرسول يتلقى الوحي ثم يتلو على الناس آياته الجديدة فتفقهوها سوياً ويعرفون قرأتها ويتدبرون حكمتها؟ يقول الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - آل عمران 164. ولكن بعد اكتمال كتاب الله، وإتمام نعمة الله تعالى على العباد، أصبح تدبر الكتاب والاجتهاد في فهم معانيه ممكن للناس، يقول الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ - ص 29، الخطاب موجه لنبي محمد، يخبره فيه الله تعالى، أن الكتاب الذي بلّغه عنه سبحانه، هو كتاب للناس ليتدربوا آياته وليتذكر أولي الألباب. نفهم من هذه الآية أن التبليغ مسئولية الرسول ولكن التدبر فى كتاب الله هي مسئولية الناس ويؤكد هذا الفهم عدة آيات منها قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا - النساء 82. كذألك قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا - محمد 24.

 

النبي لا يعلم الغيب

هناك آيات قرآنية كثيرة تثبت بأن رسول الله النبي لا يعلم الغيب ولا يعلم موعد قيام الساعة ولا ما سيحدث له أو للناس إلا بما أوحاه الله إليه من القرآن، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قول الله تعالى: قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ - الأنعام 50. فالآية واضحة من القرآن الكريم، يأمر فيها الرب سبحانه نبيه أن يعلن أنه لا يعلم الغيب (وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ).

وهل هناك أوضح من قوله تعالى: قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ - النمل 65 - أمر الله تعالى رسوله أن يقول بأن الذي يعلم الغيب هو الله وحد.

كذألك قول الله تعالى حول موعد قيام الساعة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ - الأعراف 187... قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا، عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً - الجن 26:25.

وقوله تعالى حول أن النبي لا يعلم ما سيحدث له أو للناس: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ - الأعراف 188

رغم أن الله تعالى يؤكد عدة مرات فى القرآن، أن النبي لا يعلم الغيب ولا يعلم شيئاً عن الساعة وموعدها وأحداثها، ولكن جرأة المشركين بالقرآن ليس لها حدود، فأسندوا للنبي عدة أحاديث عن علامات الساعة وأحداثها، ويُصروا دعاتهم على إضلالهم بترويجها بين الناس، وأبدعوا فى وصف أحوال أهل النار وكأنهم رجعوا من الجحيم، فأصبحت هذه الأكاذيب من المسلمات بين المسلمين، ولم يعلم غالبهم أن هذه الأحاديث تُكذب الله تعالى وقرآنه وأن تصديق هذه الأحاديث تجعل العبد من أهل منكرين القرآن ...

 

اجتهاد النبي في التطبيق وليس في التشريع

يقول الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - آل عمران 164. ويقول أيضا: رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا - الطلاق - 11

أنعم الله على المؤمنين الأوائل الذين عاشروا النبي، فسمعوا آيات الله تتلى مباشرة من النبي، وتدبروا القرآن والنبي بينهم، ففهموا أحكام الكتاب ومواعظه والقيم والمبادئ الأخلاقية السلوكية، فتزكت نفوسهم وانقلب حالهم من ضلال الشرك الى نور التوحيد، من الجهالة والتقاتل الى العلم والسلام ومن أحكام الجاهلية الى أحكام الإنسانية.

لقد فضل الله تعالى المؤمنين الأوائل الذين عاشروا النبي على كثير من المؤمنين، فالفضل بيد الله سبحانه يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. فشاهدوا بأعينهم كيف كان النبي وولي أمرهم، يجتهد فى طاعة الله وتطبيق أوامره، فيشاورهم فى الامر ثم ينفذ القرار: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ - آل عمران 159.

فهل اجتهاد النبي فى التطبيق، وهو بطبيعة الحال تطبيق يخضع لإمكاناته البشرية ولظروفه الزمانية والمكانية، يصلح لكل زمان ومكان؟ وهل هو ملزما لكل مسلم ومسلمة فى أي عصر؟

مثلا، هل اجتهاد النبي فى أمر الله تعالى فى الزينة: يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ - الأعراف 31، فهل اجتهاد النبي فى الزينة صالح لكل زمان ومكان؟

من الطبيعي المنطقي لا، فمفهوم الزينة والتزين يتطور ويتغير عبر العصور، وحتى فى نفس العصر قد يكون اللباس زَّيْنُ فى مكان ويكون شَّيْن فى مكان آخر. وهكذا فكل اجتهاد النبي فى التطبيق هو صالح لوقته وخاص بزمانه ومكانه ولا يمكن أن يكون صالحا للأجيال بعده. كل جيل هو مجبر بالاجتهاد لأن الظروف والإمكانية والمتطلبات تتغير مع المكان والزمان، وعلاوة على هذا، فإن تدبر القرآن والاجتهاد فيه لإيجاد حلول لمشاكل الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، هو فريضة دينية فى كل زمان ومكان، فهذا ما يقره كتاب الله المعجز، الصالح لكل زمان ومكان.

يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً - النساء 174 - ويقول: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا - محمد 24. فلو تدبرنا القرآن واجتهدنا فى تطبيقه على أرض واقعنا، عوض محاولة تطبيق اجتهاد السلف، لاكتشفنا النور الذي فيه ولتحول جحيمنا الى جنة على وجه الأرض قبل جنة الخلود.

 

وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ـ هذا جزء من آية 7 في سورة الحشر، الجزء الذي يبتره المشركون بكتاب الله من أصله وينطقونه بدون ما هو قبله وما هو بعده من الآية لتدعيم عقيدتهم بأن الآية المبتورة "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" جامعة للأمر بإتباع ما يصدر من النبي من قول وفعل فيندرج فيها جميع أدلة المشركين بكتاب الله تعالى، وذالك لتحريف الكلام عن مواضعه ووضع النبي علية الصلاة والسلام في موضع مشاركته في الألوهية في التشريع، لتضليل عامة الناس على انه علية السلام منافسا للقرآن.

لنعرض الآية كاملة، يقول تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ - الحشر 8، واضح أن الآية تتحدث عن الفيء أو ما يفئ إلى بيت المال بلا حرب ولا قتال، يبين فبها الله من هم المستحقون للفيء، وفى هذا السياق يأمر الله تعالى الذين لم يرضوا بالقسمة بأن يمتثلوا لقسمة الرسول ويخذوا ما أعطاهم الرسول ولا يطالبوا بما لم يعطيهم. والآية التالية: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - الحشر 7، تبين استحقاق فقراء المهاجرين لهذا الفيء لأنهم لما هاجروا لم يتركوا بعض أموالهم فحسب، بل تركوها كلها: أموالهم، وديارهم، وأولادهم، وأهلهم، فصاروا فقراء بعد إخراجهم من ديارهم وأموالهم. ومن هاجر وترك داره وأهله وأولاده وماله لنصرة الله، لا يكون أقل تضحية ممن تصدق ببعض ماله، وهو مستقر في بلده وداره وأهله، فكأن الله عوضهم بهذا الفيء عما فات عنهم.

من سياق هاتين الآيتين نفهم ان جماعة لم يرضوا بقسمة الفيء، فسخطوا من قسمة الرسول، فنزل الوحي يأمرهم: ... وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. وهذه الحادثة هي شبيهة بحادثة أخر ذكرها القرآن فى سورة التوبة: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - التوبة 60:58

فهذه الآيات: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ...) تبين معنى (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)، فالمؤمن الحق يرضى بم أعطاه الله ورسوله ولا يطمع فى لم يكن من نصيبه.

إذا هناك فارق بين ما ذكر القرآن الكريم في قولة تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وهو عطاء موقوتا ماديا ماليا، لا صلة له بما أوله المشركين بكتاب الله تعالى لتبرير شركهم بكتابه.

 

Partager cet article
Repost0

commentaires