أجمع شيوخ السلفية و شيوخ الأحزاب الإسلامية على أن معنى قول الله تعالى (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) أي الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض. وهذا ما ذهب اليه "الامام" الطبري و اتبعه ابن كثير و الجلالين و ابن تيمية ... و كذالك شيخ الإخوان سيد قطب في تفسيره
لا أدرى كيف وصلوا الى أنّ المقصود من قول الله تعالى (واللائي لم يحضن) هنّ الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض ؟
لنعرض الآية كاملة حتى نفهم سياق الآية : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا - سورة الطلاق اية 4
لمن يقرأ سورة الطلاق يفهم من الآية الأولى أنها سورة نزلت لتبيّن حكم الله تعالى في الطلاق : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ... و النساء في المعنى اللغوي و الاصطلاحي تعني دائما المرأة البالغة، وأحسن دليل قول الله تعالى : ... فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ ... - البقرة 222. فالنساء فى كتاب الله تعني دائما المرأة البالغة التى تحيض و لا تعني أبدا الطفلة أو الأنثى التى لم تبلغ
الآية الرابعة من سورة الطلاق تعالج مسألة طلاق النساء، و تبيّن عدّة النساء (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) و لهذا فهي تعرض جميع الحالات
عدّة النساء اللّائي يئسن من الحيض لكبر سنهنّ (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ) فعدّتهن ثلاثة أشهر فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ
وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ : و اللّائي لم يحضن في فترة الطلاق لأسباب ظرفية، يرتاب فيها لإحصاء العدّة (إِنِ ارْتَبْتُمْ)، مثل أن تكون مرضعة أو مريضة، فينقطع الحيض لعدة أشهر، فعدتهن أيضا مثل عدة الآيسة ثلاثة أشهر
الآية باختصار تحدد عدّة النساء، و ليس الأطفال، بالنسبة للمرأة اليائسة من المحيض و للمرأة غير اليائسة التى لا تحيض لسبب الحمل أو الرضاعة أو المرض
عجيب و غريب عقول من ذهبوا الى أن قول الله تعالى (واللّائي لم يحضن) هي الزوجة الصغيرة السن التى لم تبلغ سن الحيض !؟
هذا القول يعني أن الرحمن الرحيم يجيز و يسمح باغتصاب الأطفال ... سبحان الله تعالى عما يؤفكون
فهذا القول إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على مسخ فطرة شيوخ المذاهب و مفكرون الأحزاب الإسلامية، و لهذا وصلوا الى هذا الفهم الذى لا يخطر إلّا في عقول الشواذ الذين في قلوبهم مرض، فزادهم الله مرضا فأعمى بصائرهم عن الحق فتصوروا ما لا تمارسه حتى البهائم بجميع أجناسهم
لم يتدبر شيوخ السلف و الخلف قول الله تعالى (إِنِ ارْتَبْتُمْ) فذهبوا الى أن معنى (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) هي الطفلة أو الأنثى التى لم تبلغ سن الحيض !؟
لم يتساءلوا لماذا الارتياب و في ماذا يرتابون (إِنِ ارْتَبْتُمْ) ؟
الريبة والارتياب هو الشك فى احصاء العدة، ومن الواضح ان الطفلة التي لم تبلغ سن الحيض لا يعقل أن تثير ريبة بشأن الحيض او الحمل من عدمه، فهي طفلة لم تبلغ، ولم تحض، فلماذا الريبة ؟
الريبة هي فى الزوجة التى غير يائسة و غير حامل و لكنها لا تحيض، و لهذا الريبة (إِنِ ارْتَبْتُمْ) ، وهذا يحدث فى عدة حالات، منها المرضعة و المريضة التى يؤثر مرضها على عادتها الشهرية فينقطع الحيض بعض الوقت، كذلك المرأة التى قرب سنها من سن اليأس من الحيض، فالمرأة في هذه الحالة لا ينقطع عنها الحيض دفعة واحدة بل تبقى دورتها الشهرية مضطربة عدة أشهر قبل أن ينقطع تماما... و لهذا يستحيل أن يكون (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فى سياق هذا الآية هي الصغيرة السن التى لم تبلغ سن الحيض، لأنه لا ريبة فى هذه الحالة، فليس هناك ارتياب فى حيضها بما أنها لم تبلغ سن الحيض
هذا فى معنى قول الله تعالى (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) التى جاءت فى سياق موضوع الطلاق، و هي كما شاهدنا سابقا أنه يستحيل أنها تعنى الطفلة الصغيرة التى لا تحيض، وإنما هي الزوجة البالغة التى ليست يائسة من الحيض و لكنها لا تحيض فى فترة الطلاق لأسباب ظرفية. ومما يؤكد هذا الرأي فى القرآن، قول الله تعالى
وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا - النساء 6
فقول الله تعالى (إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ ...) جاءت فى سياق رعاية أموال اليتامى (ذكور و اناث) و لكن هي اشارة واضحة بييّنة ليس فيها شك أن النكاح للبالغين و ليس للقاصرين، و أنه لا يعقل شرعا و لا عقلا أن تُزوج الطفلة الصغيرة قبل بلوغ سن النكاح، أي بعد الحيض، وهذه هي الفطرة الربانية و العرف الإنساني اللذان يقرهما القرآن، و هذه هي الحقيقة التى يحاول كل شيوخ المذاهب السلفية و كل رؤساء و اتباع الأحزاب الإسلامية تحريفها و تزيفها بادعاء أن دين الله تعالى يجيز نكاح القاصرات و يسمح بالتالى اغتصاب الأطفال
يقول تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ - البقرة 159
أفتحوا أي كتاب تفسير بداية من الطبري و ابن كثير حتى الى سيد قطب، مرورا بابن تيمية، وأقرءوا الفتاوى المنتشرة فى عدة مواقع اسلامية على الانترنت و منها فتاوى اللجنة الدائمة التى تمثل الدين الوهابي، فستجدون أنهم أجمعوا على أن (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) تعنى عندهم الصغيرة التى لا تحيض ... و لهذا لا تعجبوا عندما تسمعوا أن فى بعض دول عربية اسلامية، هناك عدة شيوخ و "علماء" متزوجون ببنات لم يبلغوا النّكاح، فدينهم المحرف يجيز لهم شذوذهم ... ولا تعجبوا أيضا أن العالم كله يلعن اليوم الإسلام و المسلمين، فذلك و عد الله : أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ
فلعنة الله على كل من يقول أن الإسلام يجيز نّكاح القاصرات، و لعنة الله على كل من يمارس و يساهم في نكاح الصغيرات