فى زيارة الداعية نبيل العوضي فى بداية هذه السنة لتونس، قال فى أحد خطبه أن الله تعالى يأمر النساء بلبس الحجاب فى سورة النور
لا أدريى فى أي آية فهم الشيخ أمر الله تعالى بلبس الحجاب؟
فى سورة النور لا يوجد لفظ الحجاب و لا نقاب، و أصلا لا يوجد لفظ حجاب و لا نقاب فى القرآن كله بمعنى أنه لباس أو زي للمرأة المسلمة؟؟؟
فى آية 31 من سورة النور، يقول الله تعالى : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
كثير من المفسرين و منهم : ابن كثير و الطبري و القرطبي و البغوي و بن عاشور و الرازي و الشنقيطي...لم يقولوا أن مفهوم الآية يفرض زى معين على المرأة و لم يذكروا أصلا لفظ "الحجاب" بأنه لباس المرأة المسلمة فرضه الله من فوق سبعة سماوات. كلهم يصرحون أن الآية أتت بأمر غض البصر و حفظ الفرج و تغطية الصدر و عدم اظهار زينة ما يستحق اظهاره إلى غير المحارم. و ليس هناك عورة في الموضوع ولا غيره، اللهم إلا الصدر والفرج . و ليس هناك تحديد او تعين لباس خاص، لا حجاب و لا نقاب و لا غيره. هناك نهي في نهاية الآية عن التكلف في إظهار الزينة، وهو تصريحاً قرآنيا بجواز الزينة التي تتزين بها المرأة من غير تكلف وٕابتذال، وذلك في قوله تعالى : وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ
ففى قوله تعالى : "ليعلم ما يخفين من زينتهن"، لم يقل "ما خفي من زينتهن" وٕانما "ما يخفين"، فنسب سبحانه الفعل إليهن للدلالة القطعية على أنهن بأنفسهن من أخفوا هذه الزينة، أي هن بأنفسهن من أرادوا التكلف في إخفاءها
أختلف كل المفسرين فى مفهوم : "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، و هذا الاختلاف ليس بغريب لأنه ناتج عن محاولة المفسرين و الفقهاء فى تخصيص العام، وتعيين المبهم، وتحديد المجمل فى قوله تعالى : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا : أي تعريف و تحديد الزينة الظاهرة.
فذهب فريق منهم أن جسد المرأة كله زينة و عورة، و فريق آخر أن جسد المرأة كله الا نصف العين اليسرى، و آخر الا العين اليسرى كاملة، و آخر الا العينين، و آخر الا الوجه و الكفين، و آخر الا الوجه و نصف اليدين، و آخر الا الرأس و نصف اليدين، و آخر الا الرأس و اليدين، و آخر الا الرأس و اليدين و الرجلين، ..... إلخ... و كأن المرأة بضاعة أو حيوان وليس هي كائن عاقل
كل فرقة تتكئ عل أدلة ظنية الثبوت أو أقوال امام فرقتهم، و ترى أنه هو مقصد الله، و تريد فرضه على باقى الفرق و الآراء. لم تجد أي فرقة دليلا واضح من القرآن و السنة المتواترة، فلجئوا الى الأحاديث الآحاد، و الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و المكذوبة لتبرير ما تهوى أنفسهم و قلوبهم المريضة و تعصبهم الأعمى لأحزابهم و مذاهبهم، متناسين أن الله سبحانه واضح في إرشاداته، و أنه سبحانه وتعالي لا ينسى و لا يغفل، ولو أراد الله أن يأمر المرأة بأن تغطى رأسها أو وجهها أو شعرها لفعل ذلك فإنه جل وتعالي أعظم من أن يترك أمرا من أوامره للبشر ليصدروها أو يغيروها
لم يحدد الله تعالى زينة المرآة لأن الزينة أمر عرفي يختلف من مكان لآخر ومن عصر لعصر و بما أن النص القرآني خطاب لكل الناس وصالح لكل زمان ومكان و مضمون حركته إنساني وعالمي، يسقط الاستدلال بعادات و تقاليد المرأة العربية فى بداية القرن الأول للهجرة، وتقييد دلالة النص بزينتها، ولا بد من تفعيل النص والتعامل معه بصورة مباشرة. يجب أن نضع في الاعتبار و الحسبان الاختلاف في المكان و الزمان و العادات و التقاليد و الثقافة الذي ينتج عنه اختلاف نسبية التزين المثير و التبرج. فالرجل في غابات أمريكا الجنوبية يرى الإثارة و الدعوة في قطعة عظم فخذ دجاجة تخترق أنف امرأة في حين يرى الرجل الأوربي ذلك منتهى القبح، و الرجل في جزيرة العرب يثار و يلتفت و يلهث لسماع رنة الخلخال أوشم رائحة العطر في حين يشمئز لذلك رجل من الفلبين، و ماذا عن رجل من غابات إفريقيا لا يحرك ساكنا من رؤية وشم على صدر امرأة و ماذا عن رجل من الإسكيمو يرقص فرحا لذلك. يجب أن يكون في حسباننا هذا الاختلاف النسبي بين الناس و ما يثيرهم و يغويهم من الزينة حسب أجناسهم و ألوانهم و عاداتهم و تقاليدهم و موضعهم في المكان و الزمان، هذا إن كنا نؤمن بأن القرآن من عند الله وأنه رسالته لكل الأنس و الجان في كل مكان و زمان.
فسبحان الذي من لم يحدد ما يسمح من الزينة بالظهور و ما لا يسمح به، و خسئ الذين قصر علمهم، فحددوا كل ما سكت الله تعالى عن تفصيله في رسالته لهواهم و ظروفهم و ثقافتهم، و رسموا خطوطهم لعدم إيمانهم الصحيح بالقرآن و حتمية دوام صلاحيته للعالمين و تناسوا ما قاله رب العلمين : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء ـ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) الروم ـ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) سباء ـ ...وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) مريم - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ - (101) المائدة
معنى الآية واضح، فقط لمن يقرؤها كآية من آيات الآداب العامة الواردة في القرآن – وبالذات في سورة النور - والتي تضع للمرأة خطوطا عريضة، وتوضح لها آداباً عامة يجب التزامها بها. و الخطاب التكليفي الوحيد القاطع في هذه الآية هو : غض البصر وحفظ الفرج وتغطية فتحة الجيب أي مكان الصدر. ليس هناك عورة في الموضوع ولا غيره، اللهم إلا الصدر والفرج
فأين هو الحجاب يا شيخ فى هذه الآية و أين وصفه كما أنتشر فى العالم العربى؟
لم يحدد و لم يفرض الله تعالى ثيابا مخصصة للمرأة بزي معين أو تصميم خاص، أو لون خاص ،مثل ما يفرض شيوخ السلفية النقاب أو الأخوان الحجاب، فهو فرض على الناس ما لم يفرضه الله و هذا هو الشرك بعينه